برنس
رئيس المنتدى
عدد الرسائل : 429 تاريخ التسجيل : 11/12/2007
| موضوع: رسول الله في أعين الإمام العالم العلامة تقى الدين السبكى 12/17/2007, 9:59 pm | |
|
الإمام العالم العلامة تقى الدين السبكى ت756 هجرية
· يقول فى كتابه التعظيم والمنة فى تفسير قوله تعالى " لتؤمنن به ولتنصرنه " فى هذه الآية من التنويه بالنبى صلى الله عليه وسلم وتعظيم قدره ما لا يخفى ، وفيه مع ذلك أنه على تقدير مجيئه فى زمانهم يكون مرسلا إليهم ، فتكون نبوته ورسالته عامة لجميع الخلق من زمن آدم إلى يوم القيامة ، وتكون الأنبياء وأممهم كلهم من أمته ، ويكون قوله صلى الله عليه وسلم " بعثت إلى الناس كافة " لا يختص به زمان بل يتناول جميع الناس من آدم إلى يوم القيامة بل تناول من قبلهم لقوله صلى الله عليه وسلم :" كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد " . ولهذا رأى آدم اسمه مكتوبا على العرش محمد رسول الله فلابد أن يكون ذلك معنى ثابتا ذلك الوقت ولو كان المراد بذلك مجرد العلم بما سيصير فى المستقبل لم يكن له خصوصية بأنه نبى وآدم بين الروح والجسد لأن جميع الأنبياء يعلم نبوتهم وآدم بين الروح والجسد وقبل ذلك. فإن قلت أن النبوة وصف لابد أن يكون الموصوف به موجودا وإنما يكون بعد بلوغ الأربعين سنة فكيف يوصف به قبل وجوده وقبل إرساله ، أقول لك قد جاء فى الحديث أن الله خلق الأرواح قبل الأجساد فقد تكون الإشارة بقوله كنت نبيا إلى روحه الشريفة أو إلى حقيقة والحقائق تقصر عقولنا عن معرفتها وإنما يعلمها خالقها ومن أيده الله بنور إلهى ثم إن تلك الحقائق يؤتى الله كل حقيقة منها ما يشاء فى الوقت الذى يشاء ، فحقيقه النبى محمد صلى الله عليه وسلم قد تكون من قبل خلق آدم آتاها الله ذلك الوصف بل قد يكون خلقها متهيئة لذلك وأفاضه عليها من ذلك الوقت فصار نبيا وكتب اسمه على العرش وأخبر عنه بالرسالة ليعلم ملائكته وغيرهم كرامته ، فحقيقته بالأوصاف الشريفة المفاضة عليها من الحضرة الإلهية متقدم وإنما تأخر البعث والتبليغ. وكل ماله من جهة الله ومن جهة تأهل ذاته الشريفه وحقيقته معجل لا تأخير فيه وكذلك استنباؤه وإيتاؤه الكتاب والحكم والنبوة ، وإنما المتأخر تكونه وتنقله إلى أن ظهر صلى الله عليه وسلم . وغير رسول الله من أهل الكرامة قد تكون إفاضة الله تلك الكرامة عليه بعد وجوده بمدة كما يشاء سبحانه ، ولا شك أن كل ما يقع فالله عالم به من الأزل ، ونحن نعلم علمه بذلك بالأدلة العقلية والشرعية ويعلم الناس منها ما يصل إليهم عند ظهوره كعلمهم بنبوة النبى محمد صلى الله عليه وسلم حين نزل عليه القرآن فى أول ما جاء به جبريل. منهما مرتبتان: الأولى معلومة بالبرهان والثانية ظاهرة للعيان. · والنبى صلى الله عليه وسلم خير الخلق، فلا كمال لمخلوق أعظم من كماله ولا محل أشرف من محله فعرفنا بالخبر الصحيح حصول ذلك الكمال من قبل خلق آدم لنبينا صلى الله عليه وسلم من ربه سبحانه وأنه أعطاه النبوة من ذلك الوقت ثم أخذ له المواثيق على الأنبياء ليعلموا أنه المقدم عليهم وأنه نبيهم ورسولهم. فانظر هذا التعظيم العظيم للنبى صلى الله عليه وسلم من ربه سبحانه وتعالى فإذا عرفت ذلك فالنبى صلى الله عليه وسلم هو نبى الأنبياء ولهذا أظهر ذلك فى الآخرة جميع الأنبياء تحت لوائه ، وفى الدنيا كذلك ليلة الاسراء صلى بهم، ولو اتفق مجيئه فى زمن آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى وجب عليهم وعلى أممهم الإيمان به ونصرته وبذلك أخذ الله الميثاق عليهم ، فنبوته عليهم ورسالته إليهم معنى حاصل له ، وإنما أمره متوقف على اجتماعهم معه وتأخر ذلك لأمر راجع إلى وجودهم لا على عدم اتصافهم بما يقتضيه. ولهذا يأتى عيسى فى آخر الزمان على شريعة النبى محمد ، وعيسى نبى كريم وسيأتى على حالته كنبى لكنه متبع للنبى محمد وشريعة النبى محمد يحكم بالقرآن والسنة وكل ما فيهما من أمر أو نهى فهو متعلق به كما يتعلق بسائر الأمة وهو نبى كريم على حاله لم ينقص منه شىء. وكذلك لو بعث النبى صلى الله عليه وسلم فى زمانه أو فى زمان موسى وإبراهيم ونوح وآدم كانوا مستمرين فى نبوتهم ورسالتهم إلى أممهم والنبى صلى الله عليه وسلم نبى عليهم ورسول إلى جميعهم ، فنبوته ورسالته أعم وأشمل وأعظم وهو متفق مع شرائعهم فى الأصول. وبهذا بان لنا معنى حديثين كان خفيا عنا أحدهما قوله صلى الله عليه وسلم " بعثت إلى الناس كافة " كنا نظن أنه من زمانه إلى يوم القيامة فبان أنه جميع الناس أولهم وآخرهم. والثانى قوله صلى الله عليه وسلم " كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد " كنا نظن أنه بالعلم فبان أنه رائد على ذلك وإنما يفترق الحال بين ما بعد وجود جسده صلى الله عليه وسلم وبلوغه الأربعين وما قبل ذلك. | |
|